علامات ليلة القدر

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على طه الأمين .
السلام عليكم .
علامات ليلة القدر
ليلة القدر من الليالي التي جعلها الله منحة لامة محمد - صلى الله عليه وسلم- لتتزود منها بالقرب والطاعة وتعويض لها من التقصير والبعد, الذي قد يطرأ على الإنسان عادة, ولأهمية هذه الليلة عند المسلمين ميزها الله بعلامات للمتقين تعرف بها, مع أن حكمتها الإخفاء حتى يجد المؤمنين في طلبها ويكون ادعى لهم أن يعبد الله ويتزودوا من الخير طوال الشهر .
ولعل من ابرز المعاني التي تدلي بها هذه الليلة الكريم قيمة الإكثار من الأعمال الصالحة التي تعود على صاحبها بالقبول وحوز أفضل الدرجات في الجنة، فإن مضاعفة العمل من الدواعي التي تدفع المؤمن للتقرب إلى الله والتعرض لنفحاته، ويدل على ذلك حكمة إخفاء هذه الليلة بين أيام الشهر وبالأخص في العشر الأواخر منه ولا يطلبها ويفتش عنها إلا المستثمر البارع في حسه وتقديره والمثابرون المجدون يحصلون على مبتغاهم منها منة من الله وفضل , قال تعالى: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ ( سورة: آل عمران - آية 74)
وإليك بعض علاماتها التي تعرف بها :
1- أنها في العشر الأواخر عن ابن عمر رضي الله عنهما " أرى رؤياكم قد تواطت في العشر الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها من العشر الأواخر " (6) وهي في ليالي شهر رمضان، ويمكن التماسها في العشر الأواخر منه، وفي الأوتار خاصة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" (7) ، وأرجى ليلة يمكن أن تكون فيها هي ليلة سبع وعشرون من شهر رمضان، لقول الصحابي الجليل أبي بن كعب فيها: "والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله بقيامها، وهي ليلة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها " (
2- الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها , لحديث أبي بن كعب -رضي الله عنه-: " أنها تطلع يومئذ ٍ لا شعاع لها "
3- ليلة صافية وضيئة مُضيئة خاليه من السحب , يعتدل فيها المناخ , قال عليه الصلاة والسلام :" ليلة القدر ليلة طلقة لا حارة ولا باردة ، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء " (9).
4- ليلة تصفد فيها الشياطين وقال عليه الصلاة والسلام : "إني كنت أُريت ليلة القدر ثم نسيتها ، وهي في العشر الأواخر ، وهي طلقة بلجة لا حارة ولا باردة ، كأن فيها قمرا يفضح كواكبها ، لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها" (10)
وذكر العلماء لها علامات تعرف بالإدراك والتوفيق منها :
1- الطمأنينة ، أي طمأنينة القلب ، وانشراح الصدر من المؤمن ، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي.
2- أن الرياح تكون فيها ساكنة أي لا تأتي فيها عواصف أو قواصف ، بل بكون الجو مناسبا.
3- أنه قد يُري الله الإنسان الليلة في المنام ، كما حصل ذلك لبعض الصحابة رضي الله عنهم .
4- أن الإنسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي
5- أنها ليلة لا يرمى بها بشهب .
6- أنه قد يُري الله المؤمن علامة يعرف بها هذه الليلة والله أعلم .
فضائل وخصائص هذه الليلة

ليلة القدر فضائلها وخصائصها وهباتها كثيرة ، ينبغي على كل مسلم أن يجتهد فيها ويكثر من الدعاء والاستغفار والأعمال الصالحة فيها، فهي فرصة العمر، والفرص لا تدوم، فمن وفقه الله وعرف قدرها ومكانتها فقد هدي إلى صراط مستقيم , ومن فرط وقصر فهو إلى الخاسران اقرب ومن الرحمة أبعد ، فاحرص أخي المسلم الحبيب على طلب هذه الليلة واجتهدوا بالأعمال الصالحة لتفوزوا بثوابها فإن المحروم من حُرم الثواب، ومن تمر عليه مواسم المغفرة ويبقى محملا بذنوبه بسبب غفلته وإعراضه وعدم مبالاته، ويا أيها العاصي تب إلى الله واسأله المغفرة فقد فتح لك باب التوبة، ودعاك إليها فخذ منها لنفسك وأعمل بأسباب النجاة.
وإن من أكبر خصائص شهر رمضان المبارك أنه حوى في جنباته هذه ليلة المباركة، هذه الليلة العظيمة التي لا تعادلها ليلة في الخصائص والفضل وجاء ذكرها في مواضع عديدة من الكتاب والسنة ، وهي ليلة حرص عليها الصالحون، وسعى لإدراكها المشمرون ويقرب فيها الأحباب، وفرصة لذوي العقول والألباب، ففيها تغفر الذنوب والسيئات، وفيها تتنزل المغفرة والرحمات, والموفق من وفقه الله ولقد خصت هذه الليلة بخصائص نفصلها على النحو التالي :ـ
أولا: من القرآن :ـ
1- أن الله أنزل في فضلها سورة كاملة تتلى إلى يوم القيامة قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *و َمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾.
2- أنها ليلة أنزل الله فيها القرآن ، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ ﴾. وقوله تعالى : ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾.فالله أنزل في هذه الليلة القرآن الكريم دستور هذه الأمة إلى البيت المعمور في السماء ، وخصها من دون الليالي والأيام الذي وهذا ما بينته هذه الآيات الكريمات , فأي شرف حضيت به هذه الليلة .
3- ليلة مباركة ، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ ، خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر ، وتكثر فيها السلامة من العذاب ولا يخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها فهي سلام كلها ، قال تعالى: ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ ﴾.
4- تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة ، قال تعالى: ﴿ تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيهَا بإذن رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾. تتنزّل الملائكة والروح فيها إلى الأرض ليسمعوا الثناء على الله سبحانه من عباده ، وقراءة القرآن والدعاء وغيرها من الأذكار ، وليسلّموا على المؤمنين العابدين الزاهدين التالين لكتاب الله، بأمره وتتنزّل فيها النعم والخير والبركة والإحسان للمؤمنين الذاكرين الله ، بشتّى أنواع الذكر حيث يضاعف الله سبحانه لهم الحسنات والخيرات رحمة منه على عباده، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -قال : " في ليلة القدر أنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى " (13)
5- يَكتُبُ الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام ، قال تعالى: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أمراً من عندنا إنا كنا منزلين ﴾. حيث يقدر فيها كل ما هو كائن في السنة، وهو تقدير ثان، إذ أن الله قدر كل شيء قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة.
6- خير من ألف شهر قال تعالى: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾. أي أن عبادة ليلة القدر، خير من عبادة ألف شهر، إذا أتقن الإنسان تلك العبادة، وجعلها خالصة لوجه الله تعالى، وعبادة ألف شهر تعني عبادة ثلاث وثمانين سنة تقريباً، ترى أي فضل وخير في هذه الليلة، ولولا أن الله جل وعلا أخبرنا بذلك لما كان يمكن للإنسان أن يستوعب ذلك الفضل , وعن مجاهد قال: " كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي ففعل ذلك ألف شهر فأنزل الله هذه الآية: ﴿ لَيْلَةُ القَدْرِ خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل " (14) , وعن علي بن عروة قال: "ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوماً أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين عاماً لم يعصوه طرفة عين فذكر أيوب وزكريا وحزقيل بن العجوز ويوشع بن نون قال فعجب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فأتاه جبريل فقال يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النَّفر ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين فقد أنزل الله خيرا من ذلك فقرأ عليه: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيلَةِ القَدرِ وَمَا أَدْراكَ مَا لَيلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهرٍ ﴾ هذا أفضل مما عجبت أنت وأمَّتك منه" (15) .
7- سلام لكم من الله , فهي سلام على أولياء الله وأهل طاعته ، فكلّما لقيتهم الملائكة في هذه الليلة سلّموا عليهم وسلام لذهاب الشحناء بين عباد الله , سلام للعصاة في ليلة غفران.. ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب ولا يخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها فهي سلام كلها، قال تعالى: ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾. وهي ليلة سلام حتّى مطلع الفجر أنها سلام وسلامة للعباد من العذاب والعقاب، لإقبالهم على الله جل وعلا بالعبادة والطاعة في هذه الليلة المباركة، وذلك إلى طلوع الفجر.
8- إنّ الشيطان يخنس في هذه الليلة ، ولا يخرج حتّى يضيء فجرها لا يستطيع فيها على أحد بخبل أو داء أو ضرب من ضروب الفساد ، ولا ينفذ فيها سحر ساحر .
9- فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب في ذلك الأجر عند الله عز وجل، قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم-: " من قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا غُفِر له ما تقدم من ذنبه " .
10- ليلة عتق ليست كغيرها من ليالي رمضان.
11- الدعاء في هذه الليلة مستجاب.
ثانيا:من السنة القولية والعملية: ـ
الأولى: ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : "من صام رمضان إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه" .
ثانيا: تدفع المؤمن للعمل والتقرب إلى الله وتربطه بربه هو ‏:‏ والعمل المشروع فيها هو الصلاة، والقراءة، والدعاء، والابتهال، والخشوع، ونحو ذلك‏.‏‏.‏ فإن على المؤمن أن يؤمن بأن الله أمر به، وشرعه، ورغب فيه، فمشروعيته متأكدة.
ثالثا: تعين المؤمن على الإخلاص ‏:‏ فمعناه خلوص النية، وصدق الطوية، بحيث لا يكون في قلبه شك ولا تردد، وبحيث لا يريد من صلاته، ولا من قيامه شيئاً من حطام الدنيا، ولا شيئاً من المدح، ولا الثناء عليه، ولا يريد مراءاة الناس ليروه، ولا يمدحوه ويثنوا عليه، إنما يريد أجره من الله تعالى، فهذا هو معنى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ إيماناً واحتساباً‏.‏
رابعا: تفتح للمؤمن آفاق جدية بعد غفران الذنوب , وأما غفران الذنوب فإنه مقيد في بعض الروايات بغفران الخطايا وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال : " يغفر لأمته في آخر ليلة في رمضان , قيل : يا رسول الله أهي ليلة القدر ؟ قال : لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله " (16).
خامسا: تبصر المؤمن بقيمة العمل وفضله عند الله نه كان - صلى الله عليه وسلم- يعتكف ويجتهد في الليالي المرجوة فيها ما لا يجتهد في غيرها من ليالي رمضان ولا غيره، حيث كان - صلى الله عليه وسلم- كما صح عن عائشة رضي الله عنها: "إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله" .
سادسا: تكثر الملائكة بالنزول احتفاء بالمؤمنين الموفقين : فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: " إذا كان ليلة القدر نزل جبريل عليه السلام في كبكبة من الملائكة يصلون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عز وجل فإذا كان يوم عيدهم يعني يوم فطرهم باهى بهم ملائكته فقال : يا ملائكتي ما جزاء أجير وفى عمله ؟ قالوا : ربنا جزاؤه أن يوفى أجره . قال : ملائكتي عبيدي وإمائي قضوا فريضتي عليهم ثم خرجوا يعجون إلى الدعاء وعزتي وجلالي وكرمي وعلوي وارتفاع مكاني لأجيبنهم فيقول : ارجعوا فقد غفرت لكم وبدلت سيئاتكم حسنات قال : فيرجعون مغفورا لهم" (17)
سابعاً: تربط المؤمن بالرسول - صلى الله عليه وسلم- فالنبي حرص عليها وعلى إحيائها دون غيرها من الليالي , بجد واهتمام حتى أنه اعتكف من أجلها عشرين يوماً و قام هذه الليلة بأنواع العبادات والطاعات، إيماناً واحتساباً .
و الحمد لله رب العالمين .